كم تتضارب الأفكار ووجهات النظر وتتقاطع المصالِح
والفِكَر ، وتدور الدوائر على الحاضر كما دارَت على
الأمس ، حتى ما عُدنا نُميز الألوان ، والخطوط والدوائر
التي تبدو للناظرين كالحلزون ، فالألوان اختُزِلَت بلونين
الأسود والرمادي ، أما الأبيض فأصبح يخُص الموتى فقط
وفساتين الزفاف ، إذ بات الزواج كالمأتم ، رغم أن الذبائح
تُذبَح ، والحلوى تُوزّع ، والعصائر ، إنّما لا أحد يعلَم أيّ مصير
ينتظره نهاية الطريق ، فقصص الحُب شارَفَت على نهايتها قبل أن
تُرفَع الستارة ، ويُحَيي الممثلون مِن على خشبة المسرح المشاهدين
فيختزلوا الفصول كلها في الفصل الأخير ، وصّوتٌ قادمٌ من الغَيب
يقول : وَداع يادُنيا الهَنا ، وَداع يا حُب يا أحلام ، فبعيدةٌ هي المسافة بين
الحقيقة والخيال ، فالخيال أوهام ، والواقع صِدام ، والريشة تعِبت من رَسم
الصّور والخيالات ، وتلك اللوحات التّجريدية رَغم الألوان والخطوط المتعرّجة
والدائرية والأفقية ، أمسَت بِلا ملامح ، باردةٌ باهِتة .
ويضُج المسرح بالجمهور ، فلم يكُن الأداء على نَحو ما
توقّعوا ولا حتى النهاية جاءت كما تمنّوا ، وأرادوا لها
أن تكون ، ويعلو الهُتافُ يُنَدِّد بالممثلين ، وتتهاوى عليهم زجاجات
العصير الفارغة ، ويهرب الممثلون ، ويُسدَل الستار ، ويُخيّم شبح
فشلٍ جديد ، وتُجهَض الفرحة في مهدها ، ويلوك الممثلون والمخرج
والكاتب زَفَرات الخَيبة والألم والإحباط .
ويُطِلُّ في العيون سؤال واحد ، ماذا يريدون ؟ وعلى أيّ إيقاع يرقصون ، فهَل
نحنُ مَن ثابوا إلى رُشدهم ، أم بِرِئوا هُمُ من الجنون ؟ أم أمسوا كما الشعراء
في كل واد يهيمون ؟
أم الكُلُّ يَحيى نَوباتٍ من الذهول ، فتتساوى لديه الموازين ، فمَوت
الشّعور كموت الجسد ، وقد لا يُبعَثُ من رُقاده الشعور ، وتتساوى
ألحان الحياة والإيقاعات ، لتُكوّن كلها سيمفونية اللاوجود ، وكل الفصول
اختُزِلت في فصل واحد ، ألا وهو الخريف !
ويبقى السؤال ، ماذا يريدون ، أم أنّهم يتغابون ، أم تخَبّطَهُم الشيطان فما
عادوا يعقِلون ؟ أم هي تكنولوجيا العصر قد شتّتت الذهون ، وقذَفَت
بعيداً بالقلوب إلى مداراتٍ حيث رجال الثلج يُقيمون .
ويبقى السؤال : ماذا يريدون ، فهَلّا صَوتَهم يُسمِعون ؟
فقد يكون ما يريدون ، ونصِل معاُ إلى صيغة تفاهُمٍ ، تُُعيد
للحياة نبضَها ولقَوس قُزح الألوان ، والبريقَ للعيون ، وتعود الحياة للقلوب .